المعادن الأرضية النادرة : الكنز الخفي الذي يشكل المستقبل
تيلي ناظور : نوفل سنوسي
لماذا يريد ترامب شراء جرينلاند؟
في خطوة أثارت الجدل، أعلن الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب عن رغبته في شراء جرينلاند من الدنمارك، معتبرًا أنها تُكلف الدنمارك الكثير دون عائد يُذكر.
يُشبه هذا الأمر طلب شراء الإسكندرية من مصر بحجة بُعدها عن القاهرة! رغم أن البعض اعتبر هذا التصريح مزحة، أكد البيت الأبيض جديته. فما الذي يدور في الكواليس؟
في كتابه “فن الصفقة”، يقول ترامب : “الصفقات الضخمة هي ما أستمتع به”. لكن ما هي الصفقة الحقيقية؟ الجواب يكمن في المعادن الأرضية النادرة، الكنز الذي يُمكن أن يُغير موازين القوى العالمية.
لم يكتفِ ترامب بجرينلاند، بل ضغط على أوكرانيا لاستغلال هذا الكنز، سواء للسلام أو لتغذية الصراعات.
ما هي المعادن الأرضية النادرة ؟
المعادن الأرضية النادرة (Rare Earth Elements – REEs) هي مجموعة من 17 عنصرًا كيميائيًا تُستخدم في صناعات التكنولوجيا المتقدمة و التطبيقات العسكرية.
سُميت “نادرة” ليس بسبب قلة وجودها، بل بسبب توزيعها الجغرافي غير المتوازن.
يُقدر الاحتياطي العالمي بحوالي 130 مليون طن، موزعة كالتالي:
- الصين: 34% (44 مليون طن)
- فيتنام: 17% (22 مليون طن)
- البرازيل: 16% (21 مليون طن)
- روسيا: 7.7% (10 مليون طن)
- الهند: 5.3% (6.9 مليون طن)
- أستراليا: 4.4% (5.7 مليون طن)
- الولايات المتحدة: 1.4% (1.8 مليون طن)
- جرينلاند: 1.2% (1.5 مليون طن)
دول مثل الكونغو الديمقراطية تمتلك رواسب واعدة، لكنها لم تُدرج في الاحتياطيات الرسمية بعد بسبب نقص الاستكشاف الصناعي.
هل للعالم العربي الشمال افريقي نصيب من الكنز؟
على عكس التوقعات، يمتلك العالم العربي إمكانيات واعدة:
- مصر: تُظهر الرمال السوداء في مناطق مثل رأس بناس والبرلس والعريش وجود معادن مثل المونازيت، الغني بالثوريوم واللانثانيدات. عام 2022، بدأ تشغيل مصنع لاستخلاص هذه المعادن في كفر الشيخ، مما يُعزز مكانة مصر مستقبلًا.
- السودان: دراسات أولية تشير إلى وجود معادن نادرة في الصخور الرسوبية والبركانية، خاصة في الشمال والشرق، لكن الاحتياطيات لم تُحدد بدقة.
- المغرب: بدأ التنقيب عن السيزيوم والتنتالوم في جبال الأطلس والجنوب الشرقي.
- السعودية: أعلنت عن مشروع تنقيب بقيمة تتجاوز 100 مليار دولار، مع تقديرات لثروات معدنية تصل إلى 2.5 تريليون دولار.
ثروة مُهدرة في النفايات الإلكترونية
هل تعلم أن 5.3 مليار هاتف ذكي و347 مليون جهاز كمبيوتر مهجور تحتوي على معادن نادرة بقيمة 62.5 مليار دولار؟ إعادة تدوير هذه الأجهزة يُمكن أن يُشكل ثروة ضخمة.
لماذا هي مهمة؟
الأهمية التكنولوجية
المعادن الأرضية النادرة هي العمود الفقري للتكنولوجيا الحديثة:
- النيوديميوم: يُستخدم في مغناطيسات محركات السيارات الكهربائية وتوربينات الرياح.
- الإيتريوم: أساسي لشاشات LED وLCD وزجاج الكاميرات المقاوم للخدش.
- التيربيوم والديسبروسيوم: يعززان مقاومة المغناطيسات للحرارة في الطائرات والأقمار الصناعية.
- اليوروبيوم: يُحسن جودة الألوان في الشاشات.
- اللانثانوم: يُستخدم في بطاريات السيارات الهجينة والعدسات البصرية.
الأهمية العسكرية
تُعد هذه المعادن أصولًا استراتيجية للأمن القومي:
- تُستخدم في أنظمة التوجيه الصاروخي والرادارات.
- تدخل في تصنيع الطائرات الشبحية مثل F-35.
- تُستخدم في الاتصالات المشفرة والليزر العسكري.
الأهمية الطبية
- تُستخدم في أجهزة التصوير بالرنين المغناطيسي (MRI).
- تدخل في علاجات السرطان الإشعاعية وشاشات الأشعة السينية.
الصين: التنين المتحكم بالكنز
تسيطر الصين على 90% من إنتاج المعادن النادرة المُكررة عالميًا، بفضل احتياطياتها الضخمة وتقنيات التكرير المتقدمة.
هذا الاحتكار يجعل دولًا مثل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي تعتمد عليها، مما دفعها لتطوير سلاسل توريد بديلة لتقليل هذا الاعتماد.
من سيُتحكم بالمستقبل؟
المعادن الأرضية النادرة ليست مجرد معادن، بل هي مفتاح التكنولوجيا والقوة العسكرية والطب.
من يمتلكها يُشكل الغد.
فهل سيكون العالم العربي و الشمال افريقي لاعبًا أساسيًا أم سيبقى متفرجًا ؟ الحروب القادمة لن تُخاض بالسيوف، بل بالمغناطيسات و الرقائق.
السؤال الأهم : هل سنكون جزءًا من هذه اللعبة أم سنظل خارجها ؟
