نور الدين المغربي.. شجاعة تُعيد الثقة في الإنسانية بإيطاليا

عبد الله مشنون
كاتب صحفي مقيم في ايطاليا
شهدت مدينة أوديرزو التابعة لإقليم تريفيزو شمال إيطاليا، حادثًا كاد أن يتحول إلى مأساة إنسانية، بعدما تعرضت حافلة تقل عددًا من الطلاب لعطلٍ مفاجئٍ أدى إلى تصاعد الدخان من محركها، في مشهدٍ أثار الذعر بين الأطفال والمارة.
لكن تدخل الشاب المغربي نور الدين (31 عامًا) كان حاسمًا، إذ أظهر رباطة جأش نادرة وشجاعة استثنائية حالت دون وقوع كارثة.
في لحظة الخطر، لم ينتظر نور الدين وصول فرق الطوارئ، بل هرع إلى موقع الحافلة، مستعينًا بطفاية حريق كان يحتفظ بها في سيارته الخاصة، وتمكن من السيطرة على مصدر الدخان قبل أن يتحول إلى لهبٍ يلتهم الحافلة.
وبهدوء المتواضعين، قال في تصريحات لوسائل الإعلام الإيطالية:
“لستُ بطلًا… لقد فعلت فقط ما كان يجب أن أفعله.”
كلمات بسيطة، لكنها تختزل معنى البطولة الحقيقية: الإنسانية في أنبل صورها.
قصة نور الدين انتشرت بسرعة في وسائل الإعلام الإيطالية، وامتلأت مواقع التواصل الاجتماعي بتعليقات الإشادة والتقدير.
فقد اعتبره الكثير من الإيطاليين مثالًا للمهاجر الذي يجسّد قيم التضامن والمسؤولية، بينما وصفه البعض بأنه “رجل الشجاعة الصامتة” الذي أنقذ أرواحًا دون أن ينتظر مكافأة أو شهرة.
في المقابل، فتحت السلطات المحلية تحقيقًا لتحديد أسباب العطل التقني الذي أدى إلى الحادث، وأثنت على تصرف الشاب المغربي الذي ساهم في تجنب مأساة حقيقية.
رسالة تقدير وتفكير إلى الإعلام والسلطات الإيطالية
إن ما قام به نور الدين ليس مجرد تصرف فردي، بل هو نموذج لما يمكن أن تقدّمه الجاليات المهاجرة حين تجد في مجتمعات الاستقبال مساحة للثقة والتقدير.
وفي الوقت الذي تُسلّط فيه بعض وسائل الإعلام الضوء أحيانًا على الجوانب السلبية للهجرة، فإن قصصًا مثل قصة نور الدين تُعيد التوازن إلى الصورة، وتذكّر الجميع بأنّ القيم النبيلة لا تحمل جنسية، وأنّ في كل جالية مئات من النماذج الصامتة التي تعمل وتُسهم في استقرار المجتمع الإيطالي.
ومن المهم أن تُترجم هذه المواقف النبيلة إلى سياسات تشجع على الاندماج الإيجابي، وتُبرز الوجه المشرق للمهاجرين الذين يشاركون بصدق في بناء مستقبلٍ مشتركٍ يقوم على الاحترام، والتعاون، والمواطنة الإنسانية.
فنور الدين اليوم ليس مجرد بطل لحادثٍ عابر، بل رمز للشجاعة والمسؤولية، ورسالة من آلاف المغاربة المقيمين في إيطاليا الذين يؤمنون بأنّ العيش المشترك ليس شعارًا، بل ممارسة يومية ومسؤولية جماعية.
في زمنٍ تتكاثر فيه الأخبار السلبية والصور النمطية، يقدّم نور الدين درسًا بليغًا في معنى الإنسانية.
فهو لم يفكر في هويته أو في جنسية من كان على متن الحافلة، بل تصرف بدافعٍ فطري عنوانه “الواجب”.
وربما لهذا السبب تحديدًا، يستحق أن يُحتفى به لا كبطلٍ مغربي فحسب، بل كـ إنسان عالميٍّ أعاد تذكيرنا بأن الخير لا وطن له.



