عروض واعلانات
أكاديمي

رسوم التسجيل بالتوقيت الميسر في الماستر والدكتوراه: بين الإنصاف وتدبير الأزمة والتضييق

بقلم: د. مصطفى قريشي – باحث في قضايا الإدارة العمومية والذكاء الاصطناعي

تثير مسألة رسوم التسجيل بالتوقيت الميسر في أسلاك الماستر والدكتوراه نقاشا متجددا داخل الساحة الجامعية المغربية، بين من يعتبرها تضييقا على حق الولوج إلى التعليم العالي، وضمان مجانية التعليم، ومن يراها خيارا تنظيميا مشروعا واستجابة واقعية للتحولات التي يعرفها المشهد الجامعي وسوق الشغل على السواء، وبين من يعتقد أنها فقط تدبير أزمة بمقتضيات تضييقية.
إن النظرة المتأنية تكشف أن هذا النظام ليس وليد اليوم، بل هو ممارسة قائمة منذ أزيد من عقد من الزمن في عدد من المؤسسات الجامعية، وتمت شرعنته في إطار ما يتيحه القانون رقم 01.00 المنظم للتعليم العالي، الذي يمنح الجامعات استقلالا إداريا وماليا يمكنها من تنويع مواردها الذاتية لخدمة مهامها التكوينية والبحثية.
إعمال التوقيت الميسر سيتيح الرفع من عدد مقاعد الولوج لسلك الماستر سواء بالنسبة للطلبة العاديين حيث سترتفع المقاعد المخصصة لهم بنسب تتراوح بين 20 إلى 30 في المائة والتي كانت مخصصة سابقا للموظفين والمأجورين، كما أن عدد مقاعد ولوج الموظفين ستتضاف حوالي خمس مرات وهو أمر مهم يحقق إمكانيات أكبر للولوج لسلك الماستر.
منطق التوقيت الميسر: توازن بين العمل والتحصيل وتجاوز الاختلالات
جاء نظام التوقيت الميسر استجابة لحاجة مجتمعية موضوعية، تتمثل في تمكين فئة الموظفين والمأجورين من متابعة دراستهم العليا دون الإخلال بواجباتهم المهنية أو المساس بالسير العادي للمرفق العام.
فالدروس تبرمج خارج أوقات العمل الرسمية، أي بعد السادسة مساء أو خلال عطلة نهاية الأسبوع، ما يعني أن الأساتذة الجامعيين والأطر الإدارية يؤدون مهاما إضافية تتطلب جهدا وتنظيما واستعدادا مضاعفا، وهو ما يجعل الرسوم المؤداة بمثابة تعويض عادل عن خدمات إضافية تقدمها الجامعة خارج الزمن الإداري العادي.
هذا الترتيب الزمني لا يعزز فقط المرونة البيداغوجية، بل يرسخ مبدأ تكافؤ الفرص بين الطلبة الموظفين وغير الموظفين، بعدما كانت الغيابات المتكررة بدعوى العمل تشكل حرجا كبيرا للفرق البيداغوجية وللتقييم الأكاديمي، بل وأحيانا مصدرا للتوتر بين التزامات الوظيفة ومقتضيات الدراسة.
ومسارعة الوزارة إلى تعميمه على جميع المؤسسات الجامعية نتيجة الاختلالات والخروقات التي شابت عدد من مسالك الماستر والتسجيلات بسلك الدكتوراه، من خلال منح شواهد جامعية وتقييمات لأشخاص لا يحضرون للجامعة، مقابل مبالغ مالية، والذي فرج قضايا ما عرف بالشواهد مقابل المال.
إصلاح بيداغوجي وتنظيمي في آن واحد
لقد أظهر التكوين بالتوقيت الميسر، في عدد من التجارب الجامعية الرباط، أكادير وغيرها، نتائج إيجابية ملموسة: انتظام في الحضور، التزام بالحصص، تفاعل في النقاشات، وتحصيل أكاديمي متقدم، تقييم حقيقي فعلي، الحد من مظاهر الابتزاز والزبوينة والمحسوبية والولاءات في الولوج لمسالك الماستر أو الدكتوراه.
إنه نموذج يعيد الاعتبار لفلسفة التعلم مدى الحياة، ويجعل الجامعة منفتحة على العالم المهني والاجتماعي، بدل أن تظل فضاء مغلقا على فئة عمرية محددة.
في العمق، نحن أمام تحول نوعي في علاقة الجامعة بالمجتمع، حيث لم تعد الجامعة فقط مصدرا للمعرفة الأكاديمية، بل فضاء للتكوين المستمر، يتيح للموظف والمأجور تطوير كفاءاته ومهاراته دون الإخلال بالتزاماته المهنية.
نحو قطع مع مظاهر الزبونية والابتزاز لكن بمنطق التضييق والتعقيد
من جهة أخرى، يسهم نظام التوقيت الميسر في محاربة مظاهر الفساد المالي والإداري التي ظلت، في حالات محدودة وإن كانت مؤثرة، تسيء لصورة الجامعة المغربية.
ففي الماضي القريب، سجلت تجاوزات تتعلق بدفع مبالغ مالية غير قانونية للولوج إلى الماستر أو ضمان النجاح أو الحصول على الشهادة دون التزام فعلي بالحضور.
اليوم، ومع تعميم الأداء الرسمي المنظم والمراقب ماليا، يصبح الولوج إلى الماستر والدكتوراه خاضعا لمبدأ الشفافية والعدالة: لا مكان للمحسوبية، ولا لمعاملات الظل، بل أداء قانوني مقابل تكوين فعلي، تحت إشراف مؤسساتي واضح ومحاسبة دقيقة.
لكن في الآن نفسه يعد الإجراء بشكله الحالي المعمم على الجميع دون معايير ترتبط بالقدرة والدخل يجعله إجراء للتضيق والتعقيد للولوج لسلك الماستر رغم تصريحات السيد الوزير بتعزيز الولوج المفتوح للجميع لسلك الماستر.
وتزداد الأمور تعقيدا على مستوى سلك الدكتوراه والتي لا يفهم سبب فرض رسوم للتسجيل خاصة مع العدد الضعيف جدا للولوج حيث يتم تحديد عدد قليل جدا، إضافة لكون الدراسة بسلك الدكتوراه تتطلب مصاريف كثيرة للتنقل والبحث وشراء المراجع وغيرها من الأنشطة العلمية.
وبالتالي فرضها بسلك الدكتوراه يشكل عبء إضافي على الطالب بسلك الدكتوراه، وحتى وإن سلمنا بأهميتها في محاربة الابتزاز وغيره فكان يمكن فرضه فقط في التسجيل في السنة الأولى فقط ، أو في حالة إعادة التسجيل في السنة الاستثنائية الرابعة تشجيعا للاجتهاد والمثابرة.


الإشكال الاجتماعي: مبدأ التناسب بين الدخل والتكلفة
ومع وجاهة هذا النظام ومشروعيته، يبقى الإشكال الحقيقي اجتماعيا قبل أن يكون قانونيا.
فليس كل الموظفين أو الأجراء في وضعية مالية متقاربة؛ فموظف يتقاضى 15.000 درهم شهريا لا يمكن أن يساوى بمن لا يتجاوز راتبه 3000 درهم.
لذلك فإن فرض رسوم موحدة قد يخلق فجوة مالية غير منصفة، تضعف من فرص ولوج الفئات ذات الدخل المحدود إلى التعليم العالي، وهو ما يتعارض مع مبدأ العدالة الاجتماعية في الولوج إلى التكوين.
الحل الأنسب، في تقديري، هو إرساء نظام تدريجي للأداء يرتكز على مبدأ التناسب بين الدخل والتكلفة، أو اعتماد آليات دعم اجتماعي جزئي (منح، إعفاءات، تخفيضات)، لضمان أن يبقى باب الجامعة مفتوحا في وجه الجميع دون تمييز مادي.
نحو رؤية إصلاحية متوازنة
إن نظام رسوم التسجيل بالتوقيت الميسر، إذا أُحسن تدبيره وتأطيره قانونيا ومؤسساتيا، يمكن أن يشكل رافعة حقيقية لإصلاح التعليم العالي المغربي، عبر:
1-تحقيق الانفتاح الاجتماعي للجامعة وتمكين فئات واسعة من الموظفين والمأجورين من متابعة دراستهم.
2-تثمين مجهودات الأساتذة الجامعيين وتعويضهم عن ساعات العمل الإضافية.
3-محاربة الفساد والزبونية عبر أداء رسمي مراقب وموجه لموارد المؤسسة.
4-تعزيز العلاقة بين الجامعة وسوق الشغل في إطار التكوين المستمر والتطوير الذاتي.
5-أن يكون التدبير مؤسسا وليس إجراء وقتي لتدبير أزمة بمنطق التضييق على فئة من الأجراء محدودي الدخل.
إنها خطوة مهمة، شرط أن تصاغ القواعد المالية والتنظيمية بدقة وعدالة، وأن يراعى فيها البعد الاجتماعي والقدرة الشرائية للفئات المستفيدة، حتى لا يتحول الإصلاح من وسيلة للإنصاف إلى عبء على الفئات الهشة ووسيلة للتضييق والتعقيد.
الجامعة المغربية مدعوة اليوم إلى التوفيق بين الإنصاف الاجتماعي، والشفافية المالية، والجودة الأكاديمية.
وإذا كان التوقيت الميسر يعكس وعيا مؤسساتيا جديدا بدور الجامعة في خدمة المجتمع، فإن نجاحه رهين بتبني مقاربة تشاركية توازن بين الكلفة والقدرة، بين الحق والواجب، وبين الخدمة العمومية والاستدامة المالية.

مقالات مشابهة

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button