عروض واعلانات
مجتمع

بني ملال و وجوه الشوارع الباكية : تسوّل النساء و الأطفال بين الحاجة و الإعتياد

تيلي ناظور : رضوان عريف

في شوارع بني ملال، لم تعد ظاهرة التسول مشهدًا إستثنائيًا يثير الحزن المؤقت، بل أصبحت لوحة يومية مرسومة بأيدٍ صغيرة متسخة وعيون متعبة لنساء يحملن في نظراتهن ألف وجع وصمت.

المدينة التي كانت تُعرف بخُضرتها وجبالها، صارت في بعض أحيائها مرآة للفقر، تنعكس فيها وجوه طفولية مهشمة تتوسل درهمًا من مارة غارقين في هواتفهم أو لامبالاة مريبة.

أمام المقاهي، في إشارات المرور، وعند أبواب المساجد، يتوزع الأطفال كما لو كانوا أوراق خريف نثرتها رياح الحاجة.

منهم من يحمل علبة مناديل، ومنهم من يمد يده بصمت، وآخرون يتدربون على جُمل محفوظة كـ”عند الله ما يضيع والو” و”شي ريال الله يرحم الوالدين”… لكن ما لا يُقال أكبر بكثير مما يُقال.

هؤلاء ليسوا مجرد متسولين؛ بل ضحايا. ضحايا التفكك الأسري، والهدر المدرسي، والفقر، وأحيانًا – للأسف – ضحايا شبكات منظمة تتاجر بالبؤس الإنساني وتحوّله إلى مصدر دخل. نساء يحملن أطفالًا رُضّعًا في عزّ حرّ الصيف أو برد الشتاء، يجلسن ساعات طوال على الأرصفة في مشهد يكسر القلب ويثير أكثر من علامة إستفهام.

هل هي الحاجة؟ أم الإعتياد؟ أم إستغلال مقنّع؟
وهل بني ملال، التي تصرف الملايين على مهرجانات الزينة والفرجة، عاجزة عن حماية صغارها من التشرد والتسول؟ وأين هي جمعيات الطفولة والمرأة؟ أين تدخلات الدولة؟ أين “الجهة” التي طالما تباهت بالمشاريع التنموية؟

الأسوأ من كل هذا، هو تَبلّد إحساس المجتمع. إعتاد الناس على مشاهد التسول كما يعتادون على إزدحام السوق. لا أحد يسأل من أين جاء هؤلاء، ولا إلى أين سيعودون بعد إنطفاء أضواء المدينة.

في زمن تتغنى فيه المدن بالتحول الرقمي والتنمية المستدامة، ما زالت بني ملال تفتقر لأبسط أشكال “الرحمة الإجتماعية”. ما زالت الطفولة في الشوارع، تُهدر كل يوم، في إنتظار من يراها لا كحالة إنسانية عابرة، بل كصرخة مجتمعية تستوجب الإنصات والمعالجة، لا فقط إلقاء درهم والرحيل.

مقالات مشابهة

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button