“الخيال”… حين قرر “مسلم” أن يُعيد تعريف الراب المغربي ر

تيلي ناظور : رضوان عريف
في زمن أصبح فيه الراب المغربي يعج بالتكرار، ويُستنزف في صراعات فارغة ومصطلحات سطحية، يطل علينا أسطورة الراب المغربي “مسلم” بعمل جديد عنوانه “الخيال”، كأنما جاء ليعيد ضبط البوصلة الفنية، ويقول للكل: ما زال للراب نبضٌ حيٌّ حين يكون صاحبه فنانًا بحق.
منذ الثواني الأولى، يُدخلك “مسلم” في عالم مختلف. الكلمات ليست مجرد قافية تُلقى فوق الإيقاع، بل قصيدة مبطنة، إختار مفرداتها بعناية شاعر يعرف الألم، ويجيد الغوص في تفاصيل النفس البشرية.

في “الخيال”، لم يُراهن “مسلم” على الضجيج، بل راهن على الصدق، على العمق، على ما لا يُقال في الأغاني اليومية.
الموسيقى في “الخيال” ليست صاخبة ولا باهتة، بل أشبه بسجادة سحرية ترفعك بلطف إلى سماء التأمل. توزيع ذكي ومزج متقن بين الإيقاع العصري والنغم الحزين، يُشعرك وكأنك تسمع قصيدة مصورة، لا مجرد أغنية.
لا مبالغة في اللحن، ولا إستعراض عضلات موسيقية، بل كل نغمة موضوعة في مكانها، كحبة عقد في عنق القصيدة.
أما الفيديو كليب، فهو قصة بصرية بحد ذاتها. صورة مشبعة بالرموز والجماليات، لم يُقدم فيها “مسلم” نفسه كمغني فقط، بل كمخرج مشاعر.
كل مشهد فيه يُكمل النص، يترجمه بلغة بصرية فريدة، لا تعتمد على البهرجة، بل على الإيحاء.
حتى الألوان جاءت متناغمة مع الحالة النفسية للأغنية : رمادية حينًا، دافئة أحيانًا، كما لو أنها مرايا لداخل كل واحد منا.
“الخيال” ليست مجرد عودة فنية، بل عودة برؤية. مسلم لم يأتِ ليُرضي التيار، بل ليقول كلمته الخاصة في زمن إزدحم فيه الكلام الفارغ. والأجمل أنه قالها بهدوء وقوة في آن.
لم يصرخ، لكنه أوصل الرسالة؛ لم يحتج لسبٍّ أو تهجم، بل كتب سطورًا تلمس القلب والعقل.
في “الخيال”، يكشف “مسلم” عن وجه آخر من فنه، وجه متأمل، ناضج، وربما أكثر شاعرية من أي وقت مضى. هو ليس فقط مغني راب، بل راوٍ لزمن يعيش بين الواقع والخيال.
وربما نحن بحاجة لمثل هذا الفن، كي نُدرك أن “الراب” الحقيقي لا يُباع في الأسواق، بل يُولد من أعماق التجربة.
“الخيال” ليست مجرد أغنية، إنها رسالة…من فنان يعرف كيف يحوّل الألم إلى فن، والخيال إلى حقيقة، والصمت إلى لحن خالد.
تحية لمسلم… لأن بعض الأساطير لا تموت، بل تعود بشكل أجمل.