الخطابي و محمد الخامس : حينما انتصرت روح الوطنية على الشكوك

نوفل بوصفي طالب و باحث في القانون العام و السياسة
في سنة 1957 وبعد عام تقريبًا على حصول المغرب على الاستقلال، أجرى الصحافي المصري جميل عارف حوارًا نادرًا مع الأمير محمد بن عبد الكريم الخطابي، زعيم المقاومة الريفية، وذلك قبيل لقاء كان ينتظر أن يجمعه بالملك محمد الخامس في القاهرة.
في لحظة سياسية دقيقة حيث كان المغرب يعيش بدايات التأسيس وبناء مؤسسات الدولة، تحدث الخطابي بصراحة و وضوح، مؤكدًا أن موقفه لم يكن يوما موجها ضد العرش، بل ضد الاستعمار وحده و هو الفرنسي و الإسباني.
و صرح الخطابي أرادوا أن يُدخلوا في روعي أني أتمرد لحرب الريف، أريد أن أسس دولة مستقلة.. فأرسلت إليه رسولًا خاصًا يؤكد له أن ثورتنا لا تهدف إلا طرد الأجنبي من بلادنا.

و لقطع الشك باليقين، أضاف الخطابي : “من قال إن العلاقات بيني وبين السلطان كانت سيئة؟ في حياتي ما ساءت العلاقة بيني و بينه صحيح أني أعارض بعض الاتجاهات السياسية في المغرب، لكن هذه المعارضة شيء، ووجود خلاف بيني وبينه شيء آخر.
“هذا الموقف التاريخي يعيد الاعتبار للرجل الذي قاد واحدة من أعظم حركات المقاومة في القرن العشرين، ويؤكد أن الاختلاف في الرؤية السياسية لا يُعني الخيانة أو التمرد، بل هو جزء من نضج المشروع الوطني.
لقد اجتمعت في تلك اللحظة القاهرة، ذاكرة الكفاح من الريف، وشرعية الدولة الحديثة من فاس والرباط، في لحظة مصالحة وطنية صامتة ولكن ذات دلالات كبرى.
في الحوار التالي تحدّثت الراحلة عائشة الخطابي، إبنة المقاوم محمد بن عبد الكريم الخطابي، بالخصوص حول الجدل المتكرر بشأن “جمهورية الريف” التي أقامها الخطابي، بعد هزمه الاستعمار الإسباني، جددت ابنته الحديث، مراتٍ، عن كون هدفها “ألا تعود المناطق المحررة من إسبانيا إلى فرنسا” التي كانت تستعمر باقي التراب المغربي، وهكذا “في انتظار الحرية”، لم يكن يريد اقتطاع جزء من المغرب، بل “ألا يصير الريف تابعا للفرنسيين و نفت ابنة أن تكون له مساعي أخرى غير مواجهة الاحتلال، ولم يكن ينوي بتاتاً تفريق الريف عن المغرب.