عروض واعلانات
المجتمع المدني

وزير العدل يدعو إلى ترشيد منح العقوبات البديلة بدعوى محدودية الإمكانيات

تيلي ناظور : متابعة

في خضم الجدل القائم حول واقع السياسة الجنائية وإصلاح المنظومة العقابية، أثار تصريح وزير العدل دعوة إلى “عدم التشدد في منح العقوبات البديلة بدعوى محدودية الإمكانيات”، موجة من النقاش في الأوساط القانونية والحقوقية.

وقد انقسمت الآراء بين من اعتبر الموقف تعبيرًا عن وعي واقعي بالإكراهات الحالية، وبين من رأى فيه تراجعًا عن توجه إصلاحي طالما دعت إليه الهيئات الحقوقية والمواثيق الدولية.

منذ إدراج العقوبات البديلة ضمن الترسانة القانونية في عدد من الدول، بما فيها المغرب، شكل هذا التوجه خيارًا حداثيًا للحد من العقوبات السجنية، خاصة في الجرائم البسيطة.

فقد سعت المشاريع التشريعية إلى إرساء بدائل مثل العمل لفائدة المصلحة العامة، والغرامات، والمراقبة الإلكترونية.


لكن، وعلى الرغم من هذا الطموح، أشار وزير العدل خلال جلسة برلمانية حديثة إلى أن “توسيع نطاق تطبيق هذه العقوبات لا يمكن أن يتم بمعزل عن الإمكانيات اللوجستيكية والبشرية المتوفرة”.

وبذلك، فهو يرى أن التنفيذ العملي يظل هو التحدي الحقيقي وليس مجرد سن القوانين.

وفي هذا السياق، ظهرت مواقف متباينة حيال هذا التصريح. فمن جهة، اعتبره بعض البرلمانيين تعبيرًا مسؤولًا عن واقع إداري يتطلب الكثير من التحضير قبل الإقدام على التعميم.

ومن جهة أخرى، أعرب عدد من الفاعلين الحقوقيين عن تخوفهم من أن يتحول مبدأ “ترشيد منح العقوبات البديلة” إلى ذريعة لإبقاء العقوبات السجنية كخيار أول، رغم ما ينجم عنها من آثار اجتماعية وخيمة.


وبالرجوع إلى تجارب دول أخرى، تؤكد الأستاذة فاطمة الزهراء الرزين، الباحثة في السياسة الجنائية، أن “الإمكانيات ليست هي العائق الأساس، بل تكمن الإشكالية في غياب التنسيق الفعّال والإرادة السياسية”، مشيرة إلى أن “دولًا ذات موارد محدودة استطاعت تفعيل بدائل للعقوبة السجنية بشكل تدريجي وناجع”.

انطلاقًا مما سبق، تبرز الحاجة إلى اعتماد رؤية تشاركية وتدريجية، لا تكتفي بالإصلاح التشريعي بل تمتد إلى إشراك الجماعات الترابية والمؤسسات الاجتماعية والمجتمع المدني في تنفيذ هذه البدائل.


وفي هذا الإطار، صرّح المحامي عبد الكريم الغازي، عضو هيئة الرباط، أن “العقوبات البديلة تفرض علينا تجاوز الخطاب، نحو تخطيط عملي ومدروس، لأن الكلفة الاقتصادية والاجتماعية للسجن أثقل بكثير من بدائل يمكن تفعيلها بإمكانيات أقل وإرادة أكبر”

يتضح أن الرهان على العقوبات البديلة لا ينبغي أن يُختزل في معادلة الإمكانيات المتاحة فقط، بل يتطلب منظورًا إصلاحيًا متكاملاً يُزاوج بين النصوص والتطبيق، وبين الضمانات القانونية والحلول الواقعية.

فالمطلوب اليوم ليس التسرع ولا التردد، بل تخطيط محكم وتدبير ذكي يحقق التوازن بين العقاب والإصلاح، بما يخدم المجتمع ويحترم كرامة الفرد.

مقالات مشابهة

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button