عروض واعلانات
أقلام وأراء

مشروعية قرار رئيس مجلس النواب بخصوص إحالة النائبة البرلمانية ريم شباط للجنة الأخلاقيات

المصطفى قريشي .

شكل قرار رئيس مجلس النواب، راشيد الطالبي العلمي، إحالة النائبة البرلمانية، عن جبهة القوى الديمقراطية، ريم شباط على لجنة الأخلاقيات، جدلا دستوريا و سياسيا و قانونيا، انبرت عدة أقلام لكشف حيثياته و تداعياته، و خاصة ما تعلق بمدى احترام القرار للحصانة البرلمانية المنصوص عليها في الفصل 64 من الدستور والتي تنص على أنه “لا يمكن متابعة أي عضو من أعضاء البرلمان، ولا البحث عنه، ولا إلقاء القبض عليه، ولا اعتقاله، ولا محاكمته، بمناسبة إبدائه لرأي أو قيامه بتصويت خلال مزاولته لمهامه، ما عدا إذا كان الرأي المعبر عنه يجادل في النظام الملكي أو الدين الإسلامي، أو يتضمن ما يخل بالاحترام الواجب للملك”.

إضافة لكون الإحالة شكلت موضوعا للجدال السياسي بين مؤيد ومعارض.وتأتي إحالة البرلمانية شباط على لجنة الأخلاقيات التي أحدثها مؤخرا مجلس النواب، بسبب تناولها في جلسة المساءلة الشهرية لرئيس الحكومة، موضوع النقل الحضري في مدينة فاس، معتبرة أن الوضعية الكارثية لحافلات النقل العمومي في المدينة تتطلب تدخلا عاجلا.

وخلال الجلسة التي كانت مخصصة لمناقشة “التوجهات الكبرى للسياسة السياحية في المغرب”، استنكرت شباط الوضع الذي تعيشه حافلات النقل العمومي في فاس، حيث صرحت بلهجة ساخرة: “واش بهاذ الخردة ديال الطوبيسات في فاس سوف نستقبل السياح؟”، مبدية استياءها من الحالة المتردية للحافلات.

وقد بادر رئيس مجلس النواب، مباشرة بعد انتهاء النائبة البرلمانية من مداخلتها، وفي رد فعل سريع على تلك التصريحات، حيث قرر إحالة شباط على لجنة الأخلاقيات بسبب ما اعتبره “خرقاً للدستور”، مؤكدا أن موضوع النقل الحضري يندرج ضمن اختصاصات الجماعات الترابية وليس من مسؤوليات الحكومة، وأضاف إلى أن هذه المداخلة تشكل تجاوزا لفصول الدستور، تحديدا الفصلين 135 و141، اللذين يحددون بوضوح توزيع الاختصاصات بين مختلف مستويات الحكومة .

قرار رئيس مجلس النواب أثار حفيظة العديد من المهتمين والباحثين و السياسيين، وقدمت له قراءات متعددة، ومن زوايا نظرا مختلفة دستورية وقانونية وسياسية، في هذه الورقة سنحاول تناول القرار و مسألة الإحالة بنوع من التحليل و التفصيل وما مدى صوابية قرار الإحالة بناء على فصول الدستور السابقة، وإلى أي مدى يمكن أن يعتبر تدخل النائبة البرلمانية خرقا للدستور ؟

بداية يمكن إبداء ملاحظات سريعة، تتعلق بكون قرار الإحالة على لجنة الأخلاقيات مباشرة بعد انتهاء النائبة البرلمانية من حديثها كان متسرعا، وغير دقيق بل يمكن أن يشكل رد فعل على وضعية كانت تتطلب هدوء وحكمة أكب.

الملاحظة الثانية هي أن الفصول الدستورية التي تم الاستناد عليها للإحالة على لجنة الأخلاقيات لم تكن دقيقة، ولا تشكل سندا قويا متينا للإحالة بمقتضى خرق الدستور.

الملاحظة الثالثة هي أنه من الصعوبة بمكان الفصل الدقيق و الواضح بين الاختصاصات الحكومية واختصاصات الجماعات الترابية، خاصة فيما يتعلق بالرقابة السياسية البرلمانية على العمل الحكومي والذي تشكل السياسات العمومية المحلية جزء منه.

الملاحظة الرابعة قرار الإحالة فيه تجاوز لعدد من المساطر الواردة بالنظام الداخلي لمجلس النواب خاصة المادة 396 من النظام الداخلي لمجلس النواب والمتعلق بتدرج العقوبات الواجب تطبيقها في حالة خرق أخلاقيات العمل البرلماني من طرف النواب.

وانطلاقا مما سبق وللتفصيل أكثر في الموضوع، وبالعودة لمضمون الفصلين السابقين من الدستور نجد أنهما يتحدثان بشكل عام عن الجماعات الترابية وباعتبارها أشخاص معنوية ولها موارد مالية دون حديث عن الاختصاصات الموكولة لها، حيث ينص الفصل 135 على : ” الجماعات الترابية للمملكة هي الجهات والعمالات والأقاليم والجماعات. الجماعات الترابية أشخاص معنوية، خاضعة للقانون العام، وتسير شؤونها بكيفية ديمقراطية.

تنتخب مجالس الجهات والجماعات بالاقتراع العام المباشر. تحدث كل جماعة ترابية أخرى بالقانون، ويمكن أن تحل عند الاقتضاء، محل جماعة ترابية أو أكثر، من تلك المنصوص عليها في الفقرة الأولى من هذا الفصل.” أما الفصل 141 فينص على ” تتوفر الجهات والجماعات الترابية الأخرى، على موارد مالية ذاتية، و موارد مالية مرصودة من قبل الدولة، كل اختصاص تنقله الدولة إلى الجهات والجماعات الترابية الأخرى يكون مقترنا بتحويل الموارد المطابقة له .

لذا فالاستناد للفصلين المذكورين غير صائب وغير متين، حيث كان يمكن الاستناد للفصل 140 هو الذي يحدد هذه الاختصاصات و يعددها حيث ينص على أن : ” للجماعات الترابية، و بناء على مبدأ التفريع، اختصاصات ذاتية واختصاصات مشتركة مع الدولة و اختصاصات منقولة إليها من هذه الأخيرة.

تتوفر الجهات والجماعات الترابية الأخرى، في مجالات اختصاصاتها، و داخل دائرتها الترابية، على سلطة تنظيمية لممارسة صلاحياتها”.

بل أكثر من ذلك فإن قراءة متفحصة للفصل 140 نجد أن يتحدث عن اختصاصات مشتركة مع الدولة، مما يعني أن هناك مسؤولية مشتركة، وبالتالي المساءلة تكون مشتركة، وبالتالي من الصعوبة بمكان الفصل الدقيق بين اختصاصات الحكومة والجماعات الترابية نظرا لوجود اختصاصات مشتركة وأخرى منقولة من الدولة للجماعات الترابية، إضافة لكون الرقابة السياسية التي يمارسها البرلمان على التدبير الحكومي تشمل كذلك السياسات العمومية المحلية الموجهة للجماعات الترابية، خاصة في شقها المتعلق بالتمويل وكذا الرقابة الإدارية التي تمارسها وزارة الداخلية على الجماعات الترابية مما يجعلها ضمن اختصاصات العمل الحكومي.

بالإضافة لما سبق نجد هناك ترابط و تلازم بين السياسات العامة التي تنهجها الحكومة و مختلف السياسات العمومية المحلية وبالتالي مساءلة الحكومة عن اختلالات التدبير المحلي يدخل ضمن الصلاحيات الممنوحة للحكومة وخاصة وزارة الداخلية في مجال الرقابة والتوجيه الذي تمارسه على الجماعات الترابية

وهو ما جعل السيد وزير الداخلية يثير مشكل النقل الحضري بعدد من الجماعات، و عزم الوزارة والتي هي ضمن الحكومة التدخل لمحاولة معالجة هذه الوضعية في إطار سلطة الرقابة، مما يساءل مدى صوابية إجراء الإحالة، بل يثير إشكالية التوظيف السليم لسلطات رئيس المجلس في ضبط تدخلات البرلمانيين وكذا القرءاة السليمة لمقضيات النظام الداخلي لمجلي النواب وخاصة المقتضيات المتعلق بالأخلاقيات والعقوبات المقررة للمخالفين، والتخوف من التوظيف السياسي لها خاصة في مواجهة البرلمانيين المزعجين سياسيا.

في اتجاه آخر تحدثت عدد من المنابر الإعلامية أن أمر الإحالة للجنة الأخلاقيات يرتبط برفع لافتة بها صور أو التلفظ بعبارات غير لائقة في حق رئيس الحكومة، أعتقد أن رئيس مجلس النواب حدد بشكل دقيق سبب الإحالة والمرتبط بخرق المقتضيات الدستورية المتعلق بتحديد الاختصاصات بين الحكومة والجماعات الترابية، وهو سعي لضبط تدخلات نواب الأمة ضمن جلسات المساءلة في إطار الاختصاصات الموكولة للحكومة.

كما أن الممارسة البرلمانية السابقة كانت تتسم دائما بهذا النوع من التجاذبات السياسات، والتدخل دون إذن من رئيس الجلسة، أو رفع لافتات في مرات عديدة خاصة خلال ولاية عبد الإله بنكيران، بل وممارسات متعلقة بالتلفظ بكلمات ربما تعتبر مسيئة وغير لائقة دون أن تكون هناك أي متابعات تأديبية باعتبارها تدخل في إطار المزايدات السياسية التي تعرفها جل التجارب البرلمانية.

وفي ختام هذه الورقة نناقش قرار الإحالة للجنة الاخلاقيات ضمن المنظومة القانونية المؤطرة لها وخاصة المواد من المادة 389 إلى المادة 401 ضمن الجزء الحادي عشر المعنون بمدونة الأخلاقيات البرلمانية، المواد التي أقرت المحكمة الدستورية دستوريتها حيث نص قرار المحكمة الدستورية على أن هذه المقتضيات تهدف إلى ضمان وجود معايير سلوكية معينة بين أعضاء مجلس النواب عند وضع مدونة الأخلاقيات، مع ضرورة التزامهم بمبادئها إنفاذا للنظام الداخلي لهذا المجلس من أجل السمو بالعمل البرلماني و تخليق الحياة البرلمانية، دون المساس بحريتهم الكاملة في أداء مهامهم الدستورية، لكونهم يستمدون إلى جانب أعضاء مجلس المستشارين نيابتهم من الأمة طبقا للفقرة الأولى من الفصل 60 من الدستور.

وبالتالي فإن إقرار هذه المنظومة أو المدونة الأخلاقية هدفها تخليق الحياة البرلمانية، وهذه المنظومة نصت على عدد من الإجراءات والتدابير التي يجب مراعاتها واتباعها، ومن خلال تفحص مختلف تلك الإجراءات يتضح أن رئيس مجلس النواب لم يحترم تراتبية الإجراءات التأديبية المقررة في المادة 396 مدونة الأخلاقيات التي يمكن اتخاذها تجاه أعضاء المجلس في الجلسات العامة و اجتماعات اللجان وهي أولا التذكير بالنظام؛ ثم التنبيه، ثم التنبيه مع الإبعاد المؤقت، قبل اتخاذ إجراء الإحالة على لجنة الأخلاقيات، و أن مسألة الإحالة مباشرة للجنة الأخلاقيات، غير سليم ويدخل ضمن التدافع السياسي ومحاولة ضبط أكثر للنواب الذين يشكلون إزعاجا سياسيا للعمل الحكومي وقد يتم استغلالا هذه الإجراءات لتضييق هامش المناقشة السياسية داخل البرلمان، مما قد ينعكس سلبا على جودة النقاش العمومي.

وفي انتظار القرار النهائي للجنة الأخلاقيات بخصوص هذه النازلة، والذي لا محالة سيحاول الإجابة على عدد من التساؤلات والنقاشات الدستورية والسياسية والقانونية التي أثيرت عقب قرار رئيس مجلس النواب، يمكن التأكيد على أن مسألة تخليق الحياة البرلمانية ببلادنا لن تتأتى دون تخليق الحياة السياسية وعلى رأسها المؤسسة الحزبية.

مقالات مشابهة

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button