عروض واعلانات
أقلام وأراء

مقام الأدب في مسألة التدبير من منظور مجتمع القيم عند د. عبد السلام الغنامي

بقلم د. الحسن الغشتول

قرأت بشغف وفضول معرفيين كبيرين عملين للأستاذ الدكتور عبد السلام محمد الغنامي، هما كتاب أوراق زمن الحصاد، والوجيز المختصر في أدب تدبير سياسة الدول والأمم في تنزيل الضروري من القيم.

وبقدر ما ألفيت فيهما تعددا وتنوعا في الموضوعات وانتقالا بين جغرافيات مختلفة، و وقوفا عند نظم ومذاهب تتباين مرجعياتها، وتختلف مفاهيمها القانونية والدستورية، وجدت رؤية توحيدية بنائية متكاملة ضمنها الكاتب تفصيلا وتشريحا دقيقا لحوادث ونكسات وحروب وكوارث بيئية، ومساقات موبوءة اصطنعتها إرادات تدميرية استئصالية، عنوانها سيادة الشر وهيمنة أنساق التفاهة التي مهما باركت الأطراف المتحكمة في مجرى السياسة العالمية منتوجها النفسي والفني العابث والمؤدي إلى مهاوي السقوط والاندحار، فإنها لم تقو على إزاحة جذوة النور، وكتم صوت الضمير الإنساني الحي.

وحتى وإن كانت الأحداث التاريخية المتلاحقة في زمننا هذا تعَلم على وجه قاتم ومأساوية مظلمة، فإن الصبح لناظره قريب، والحق أبلج كما يقال.

تلكم هي البنية الجامعة، أو الروح الناظمة لمفهوم الكتابة عند الأستاذ الدكتور الغنامي، فما تلبث الفكرة أن تقدم نفسها للقارئ حتى يجد نفسه متوغلا في مجاورات تنبئ بتخلق الفكرة ذاتها ثم تبدلها، أو بالأحرى ارتقائها إلى مقامات إن لم يسع المتلقي إلى استحضارها، بطُل تأولها على الوجه الذي يراد.

فحدث الهجرة إلى يثرب لا يفهم من زاوية أحادية تحيله إلى مرجعيته المثبتة في الماضي، بل تنضاف إليه خاصيات دلالية أخرى مقرونة بما تقتضيه سنة التثاقف وسيرورات الفكر القانوني والسياسي الحديث.

وبعبارة أوضح نقول: تتم قراءة الحدث في آنيته من جهة أولى، وفي انفتاحه على العصر من جهة ثانية، مع التأكيد على أن الحدث هو سؤال بناء الدولة وفق المنظور الذي يفند نظرية العقد الاجتماعي لقواعد الدولة الأساسية في القانون الدولي.

ولعل مما يميز المادة التحليلية التي قدمها المؤلف قوتها الاصطلاحية ومرانتها الإجرائية، مع استيعاب الحدث في علاقته بمحيطه ومجاله الترابي، وكذا في نسيجه الإقليمي المجاور، أو امتداداته مع توالي الأزمنة والأحقاب، وهذا ما أومأت إليه لغة تسترفد دوالها ومدلولاتها من حركية خاصة وحس تفاعلي جامع بين حقول متعددة ومتناغمة.

والحق أن لبلاغة التشويق نصيبا من هذا كله. غير أن هذا التشويق هنا، هو سمة مطبوعة في غريزة التفكير والتفكر قبل أن يكون حلية، أو فضلة يستعان بها في إشباع الحوافز المؤدية إلى الفهم والإفهام.

وعلى هذا النحو يستسيغ القارئ رحلة الدوال في دلالاتها التعيينية وارتباطها بمواطن الصفاء والقداسة دونما انسلاخ عن سر اللحظة التاريخية التي تفرض على الذات أن تتأسى بالمجد الذي شاده المسلمون، حيث امتدت دولة المسلمين بشكل متواز في جميع مراحلها، انطلقت من حجم إقليم يثرب إلى أن وصلت إلى تخوم بلاد الغال والصين وروسيا، وعمرت أكثر من ثمانية قرون بالأندلس الرطيب الذي هو دين في رقبة كل مؤمن.

وبحسب هذه النظرة الاعتبارية تتأسس علاقة ذات المؤلف بموضوعاته التي فرضت نفسها، وتمخضت عنها أسئلة عميقة وملحة تستدعي أجوبة عقلانية، ومن ثم كان المدخل المنهجي القانوني هو السبيل إلى اتساق العمل وتشاكل فقراته.

بل لا يعدل عن هذا التوجه اختيار الكاتب متوالية لسانية وقيما دلالية مخصوصة، واتخاذها عنوانا موحيا بالغرض المحدد من تأليفه؛ وهكذا يجد المتصفح للكتاب نفسه أمام عتبات يلتقي فيها ما هو نفسي بما هو ديني وأخلاقي وسياسي، وبمقدار ما يكون منقادا للخوض في ظواهر وقضايا معيشة، ومطروقة ومعتادة أحيانا، يضحى مضطرا لامتلاك الحاسة القانونية والتشريعية.

وبهذا المعنى تلتقي الرؤى وتنتظم خيوطها وتأتلف، ذلك أن عمليتي الفهم والتخصيب تبقى مرتهنة بإعلان فارق في مقام المسلمات المعرفية القانونية ذاتها، فليس النظام السياسي والنظام الدستوري بمعنى واحد، وليس تحليل النصوص الدستورية هو وحده المؤهل لدراسة النظام السياسي.

إن مفهوم المؤسسات السياسية يتجاوز مفهوم النظم الدستورية ليشمل أفكارا ومبادئ ومفاهيم سياسية خارج متن الدستور الذي لا يفهم إلا بالرجوع إلى إيديولوجية الدولة السياسية والدينية والاقتصادية والاجتماعية، ومن ثم يسهل ـ كما يؤكد الكاتب ـ فهم حقيقة نظام الحكم في الدولة كمؤسسة إمارة المؤمنين في المغرب ومؤسسة التاج في بريطانيا ومفهوم النظام الجمهوري في فرنسا ومفهوم الدول العميقة في الولايات المتحدة الامريكية، لما لها من حمولة سياسية ودينية وتاريخية طويلة عبر التاريخ أكسبتها السمو السياسي في تدبير الشأن الدستوري ضمن النسق الهرمي للدولة.

واستنادا إلى هذا الفهم انتقى الباحث عنوانا يلخص خطوات البحث والنظر من جهة، وأعطى للقارئ من جهة أخرى، فكرة عن خطة التدرج في القول والانتقال من الجزء إلى الكل، ومن الخاص إلى العام.

ففي تصدر لفظ الأدب ما يهيء المتلقي لتقبل مقول يألفه، فما لم يكن بين الذات المرسلة والذات المتلقية عقد ضمني يبدأ بالأدب، ما ارتقى الكلام إطلاقا إلى مرتبة الخطاب؛ فكلما استدعيت مقامات التأدب ظهرت الأمارات التي تشي بالاحترام والتعاون مع الشخص الذي يرنو لسماع ما يجد فيه عونا على ترسم طريق الحق والخير والصلاح.

على أن الأدب ـ كما يكشف العنوان ـ يتجاوز معناه السلوكي والفطري إلى المعنى التأسيسي (النصي والبلاغي) أثناء بنائه ومحايثته لمفهوم التدبير السياسي من منظور فقه المقاصد الذي يقضي بالحاجة إلى تنزيل الضروري من القيم التي يرتضيها الدين الإسلامي.

ولا يشكل هذا التصور موقفا مفارقا للرؤية التراثية المتأصلة في تراثنا، ويمكن أن نضرب مثلا بصاحب كتاب الإشارة إلى أدب الإمارة لأبي بكر المرادي الحضرمي الذي لا نقيس نظرته للأدب بنظرة بعض المعاصرين لما يحصرون قيمته في المتعة المجردة التي يحدثها، ويتغافلون عن وظيفته السامية بالنسبة للفرد والأمة.

لقد انتبه أبو بكر المرادي إلى أن الأدب عامل منظم لبنية العلاقات بين الحاكم والمحكوم، ولأجل ذلك تقيد بمفاهيم مثل آداب الإمارة والوزارة، واستعمل ألفاظا مثل آداب المتقدمين، وذكر أنها هي السبيل لكشف أمر الدين والدنيا، بل فصل في الصيغ الأدبية حيث حث على أن يكون كلام المدبر مترسلا سهلا قليلا لأهل الفضل، مبسوطا لأهل الجهل، متوسطا لأهل التوسط، فالغاية هي الاعتدال، على أن هذا الاعتدال مطلب بلاغي لأنه مرتبط بمقام دلالي مخصوص.

وأخذا بهذا النهج، نجد تفريعا أدبيا تجلوه مجموعة أفعال ومواقف وصفات محددة و واضحة لزم التحلي بها من قبل الحاكم. فلا عجب في أن يكون الأدب بهذا المعنى أكرم الجواهر طبيعة وأنفسها قيمة.

والحق أنه يكتسي هذه الصفة لاقترانه بالحكمة، ومعلوم بأنه ”لن تنال معالي الرتب إلا بالحكمة والأدب، فكل ما تهيأ من الجدود دون الحكمة و وقع من الحظوظ على وجه المصادفة، فإنه في الحال شَيْن حاصل، وفي المال ظل زائل.”

وعلى هذا الأساس، فالأدب هو الذي يعين على بلوغ معالي الرتب، و يهيء النفس لاختيار الشيء المناسب والأنسب في كل حال، بما تتطلبه المعيشة وسياسة الأجسام، وكذا التفصيل في هيئة الجلوس والركوب وسائر التصرفات، وتقسيم الجند والحاشية على الأعمال، واستفاضة الحديث في الحرب والمسالمة، والشجاعة والجبن، فضلا عن التداهي أو التغافل، وغير ذلك من الصفات العملية التي تفيد قوة الحاكم وحيطته ومهابته وشجاعته، وعدم غفلته، وفي مقابل ذلك فإن التغافل عما لا يعني إنما هو العقل ذاته.

نستحضر في هذا السياق كله الثقافة السياسية عند القدماء من حيث هي جسر بين الأدب والفكر، أو بالأحرى هي إيهاب جمالي تبلورت خواصه من الناحية الشكلية والتركيبية من خلال نمط الجنس الأدبي المعروف في المشرق بمرايا الأمراء Specula principus، وتحديدا كتاب سر الأسرار المنحول المنسوب لأرسطو، وكتاب السياسة لأبي القاسم الوزير المغربي، وكتاب برايسون، ومن ناحية المضمون، فإنه يمتاح مادته من كليلة ودمنة والأدب الكبير لابن المقفع.

يستقصي الكاتب الدكتور الغنامي تاريخ الفقه السياسي عند المسلمين وغيرهم من الشعوب الإنسانية القديمة، ويستدعي ما تنزل بالإنسانية جمعاء جراء الاعتساف والجور والسعي إلى البطش والدمار، ليبرز موقفه بوضوح، حيث يعمد إلى تسمية الأشياء بأسمائها؛ فما رزئت به الإنسانية اليوم ليس وليد تطور القانون الدولي، بل هو وليد تراحعه.

يقول : ”إن وصول العلاقات الدولية الى مرحلة الحرب العالمية الثالثة التي من صورها الحرب الروسية الأوكرانية والإسرائيلية الفلسطينية كان نتيجة لتراجع، بل غياب القانون الدولي، وليس تطوره لأن مفهوم التطور في اللغة والاصطلاح مرتبط بالارتقاء والتعاون بين الدول في السلم والأمن الدوليين، وليس بالاستفراد في الهيمنة والإبادة الجماعية”.

لا يكتفي الباحث بتشخيص الداء فقط، وإنما يُذكر في أكثر من موطن بالدواء الذي يتجلى في تحقيق العدل في أرجاء العالم، والتصدي لكل النزعات الوحشية التي تماهت بأنماط الفكر والثقافة والفنون، لدرجة أن المنظومات التي صار يقام لها ويقعد هي منظومات التفاهة التي يتلقفها جيل بعد جيل.

لم يعد من سبيل إذن سوى الدعوة إلى استرداد القيم واعتمادها منهجا تطبيقيا في مدارسنا ومعاهدنا.

على أن هذا المنطلق القيمي يجعل تطرق الباحث لقضايا مختلفة في كتابه شيئا محبذا من لدن القارئ الذي يراوح معه موضوعات تتعلق بالأزمة الروسية الأكرانية، أو مكانة الدولة المغربية وتداعيات زيارة الرئيس الفرنسي للمغرب، و واقع التعليم العالي والبحث العلمي في البلدان العربية، وغيرها من القضايا والمسائل المستجدة التي استأثرت بعناية المؤلف البالغة.

رأيناه مثلا يتحدث بصدق وإيمان غامرين عن المصطفى صلى الله عليه وسلم، ويدعو إلى التأسي بمكارمه وسجاياه وشمائله، ويعكس في حديثه وعيا عميقا وإحساسا مرا بطبيعة الاختلالات التي مست مملكة القيم المثلى لما تم منح النياشين وإلباسها للتافهين، بدلا من أهل الفضل والنهى من العلماء والأصفياء.

تستوقفنا لدى الباحث وجهات نظره الصريحة والمتضمنة بعدا استشرافيا بليغا، والأمر لا يتعلق عنده بتخمينات أطلقها على علاتها، وإنما هي تنبؤات ملمة بسيناريوهات محتملة ومبنية على معطيات محددة.

نقف أولا عند رسالة مفتوحة إلى السيد رئيس الحكومة الدكتور سعيد العثماني المؤرخة بتاريخ 17/1/2021، وهي رسالة صريحة جدا، بدا فيها الدكتور الغنامي محذرا ومنتقدا لسياسة حزب العدالة والتنمية، وداعيا إلى تنزيل فقه الواقع ومراعاة طبيعة السياسة الدولية ومتغيراتها، لدرجة أنه تنبأ بأن يكون حظ الحزب من نصيب الاقتراع مخيبا، وبالفعل أجريت الانتخابات ولم يحصل سوى على ثلاثة عشر مقعدا، وعلة الارتكاس السياسي عنده في ترجيح لعبة التكيك بدلا من الاهتداء إلى منطق التشبت بالاستراتيجية.

ثم ”إن الربيع انتهى ـ يقول الباحث في رسالته ـ وأصبح ذكرى سيئة الفأل من تطوان إلى بغداد، بل لا أخفيكم سرا وأنتم تعرفون هذا أكثر من غيركم، أن مفهوم الديمقراطية بدأ بريقه في الأفول بين الترامبية وكوفيد 19 الذي عجل بتطبيق حالة الاستثناء، وفرض الأحكام العرفية حتى في أعرق الديمقراطيات الغربية، فماذا أنتم فاعلون بالأمس واليوم قبل غد؟”وفي هذا الجانب المتعلق بالقوة التنبؤية المشروطة بتفاعل سيناريوهات السياسة الدولية، أشير ثانيا إلى من سماهم بالمغول والتتر الجدد، فرغم وعورة التضاريس المختلفة، وهيمنة المسافات البعيدة، فإن مطبخ الصناعات العسكرية سيتخلى في عدتهم عن الوجبات الدسمة.

وسيقتصر على الوجبات الخفيفة والسريعة، مثل الفايسبوك وتويتر، وأمزون واليوتيوب والواتساب، وآبل و وجبات أخرى تعد حسب الهندسة الجينية للتحكم من الإفلات من شمس الشرق أو أقمار الغرب.

فلا عجب في أن يكون نظام البيجر pagerالذي فجر اللبنانيين عن بعد في 2024 هو أيضا جزءا لا يتجزأ من لغة الفتك بمعناها الجديد.

ونذكر ثالثا تطلع الباحث في نص يبدأ بالرياضة وينتهي بسقوط الأقنعة، إلى ارتقاب حدوث تغير حاسم في جوهر العلاقات السياسية المغربية الفرنسية.

فقد سبق أن أشار الباحث إلى أنه من المنتظر أن تخرج فرنسا من المنطقة الرمادية في خطابها مع المصالح المغربية الكبرى، وأن تقتفي أثر الدول الكبرى كالولايات المتحدة الأمريكية، وإسبانيا وغيرها، في تأكيد سيادة المغرب وإثبات حقوقه التاريخية في صحرائه المغربية.

ولعلنا نجد الجواب السياسي لاحقا من خلال زيارة الدولة التي قام بها رئيس الجمهورية الفرنسية للمغرب بتاريخ 28/10/2024. وعلى الرغم من انصراف المؤلف لإبراز الوجه القاتم الذي

يطغى على أحداث العصر، والظلم الذي يتجرعه المستضعفون وخاصة أهل فلسطين، فإننا نجد لدى الكاتب بجانب خوضه في تحليل آليات الصراع الدولي رؤية استشرافية مجابهة لمنطق الثنائية القطبية، ومبشرة برقي النفس البشرية يقول: ”لا رقي بالنفس البشرية، في الألفية الثالثة، إلا بعودة الانسان إلى فهم معنى الفطرة، وعلاقتها بالدين في تأسيس مجتمع القيم”.

ويدخل في باب الفطرة دفاعه عن كيان الأسرة، مثلما رأينا في أوراق الحصاد؛ و المراد هنا التصدي لما هو أخطر من الحروب والكوارث والأوبئة، أي مجابهة التخطيط الممنهج لتدمير الأسرة. يقول ”إن الإنسانية اليوم مطلوب منها ألا تخاف الحروب والزلالزل والبراكين والفيضانات ونتائجها المدمرة والمهددة لوجود الإنسان.

بل عليها الخوف من انهيار الأسرة ذات الأعمدة الشامخة. التشبت بالأسرة انصياع إلى نداء الفطرة، في عصر تسيد النكرة!”ويلفت ذهن المطالع لفقرات هذا العمل في هذا المقام اعتزاز المؤلف بتاريخ المغرب، سواء من الناحية السياسية أو مناحي الدين والثقافة والعمران.

وحسبنا أن نشير إلى ذلك في سياق ما تخلل حديثه عن التعريب حيث يقول: ”ان السيادة اللغوية هي شرط لازم لتقدم أي جامعة في العالم مع ضرورة الانفتاح على اللغات الأخرى من اسبانية وفرنسية وانجليزية والمانية و يابانية وصينية اسوة بأكبر الجامعات العالمية، لتبادل الخبرات والاطر العلمية، والفنية وما استجد من نظريات علمية في عالم المعرفة.

نتمنى من الجهات المسؤولة، على مسلسل التعريب أن لا تترك التعريب متوقفا ممنوعا من دخوله الحرم الجامعي الذي انعكس على صناعتنا الثقافية لبناء الهوية المغربية التي أصبحت تائهة وغريبة عن لغتنا، وقد تصبح اجيالنا يوما ما لا تعرف عن المغرب إلا اسمه مع العلم بأن مغرب الخلافة الإسلامية هو البلد الوحيد الذي يرجع تاريخه في الاستمرار إلى أكثر من ألف ومائتي سنة ، والسبب يرجع الى النظام السياسي الذي اختاره المغاربة القائم على نظام الخلافة الإسلامية، التي لا تتم إلا بعقد البيعة عن طريق الشورى، التي طرفاها أمير المؤمنين وأهل الحل والعقد ، تطبيقا لشرع الله وسنة رسوله محمد صلى الله عليه وسلم .

لأن شرع الله لا يمكن أن يفهم إلا بلغة القرآن وهي اللغة العربية”.

لا يعزب عن بالنا الطابع العيني لمثل هذا النوع من الكتابة، فهذه الموضوعات وإن أثارها الكثيرون، فإنها تمتزج هنا بتجربة خاصة ضمن منعطف ”ربط الجامعة بالحكامة”، كما أنها لم تخل من نفس سجالي حاد يبرئ فيه الكاتب ذمته من موقف أولئك المسؤولين الذين جعلوا قصارى همهم أن يشفوا غليل صناع التفاهة والتافهين.

صفوة القول، إن هذه الكتاب ينطوي على وضوح في الرؤية والتصور، ولئن انفتح المؤلف فيه على موضوعات متنوعة تفرض علينا سفرا عميقا في أزمنة الماضي والحاضر، فإن هذه النقلة لا تبعث على أي شعور بالانفصام مادامت شخصية المؤلف تؤسس وعيها ومداركها استنادا إلى ما جبلت عليه من صفات الوفاء للدين والأرض والوطن.

وتبعا لهذا، بدا الكاتب وفيا لخطه الفكري والعقدي، حيث إنه التزم بالجمع بين دراسة الأخبار والظواهر السياسية والدينية والأخلاقية باحثا في الشروط والعوامل الموضوعية المؤدية لانبثاقها، ومحيلا على المذاهب وتاريخ الأنظمة السياسية والقانونية العالمية التي تقضي بتنزيل الأحكام على هيئة دون غيرها.

لكنه في الوقت نفسه بقي حريصا على النظر إلى تلك الموضوعات كلها بعين البصيرة، من خلال ترجيح الضرورة في ميزان الشرع، واتخاذ مفهوم الصلاح الأخلاقي أصلا يسند إليه القياس العملي، ابتغاء تدبير سياسة الدول والأمم، عن طريق الاحتكام إلى جوهر قيم الإسلام في سماحته ورحابته.

على أن ما يستنتج في هذا السياق، هو أن للآداب الموصى بها قيمة لا ينبغي التنقيص من شأوها، فهي تستأثر بمقام العامل والمعمول في آن واحد، وتلفها خاصيتا الثبات والتطوير؛ فمن ناحية هي الأثر الخير الناتج عن بذر سليم، ومن ناحية أخرى هي شحذ وتحفيز وتنوير للنظر والتفهم، فلا تنال معالي الرتب كما أسلفنا إلا بالحكمة والأدب.

مقالات مشابهة

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button
error: المحتوى محمي وفق سياسة الموقع.