انتشار داء الدودة الحلزونية في أمريكا : تهديد طفيلي يثير القلق الصحي و الاقتصادي

أعلنت السلطات الصحية الأمريكية في أغسطس 2025 عن تسجيل أول حالة إصابة بشرية بداء الدودة الحلزونية، المعروفة بـ”New World Screwworm”، في الولايات المتحدة منذ عقود.
هذا المرض الطفيلي النادر، الناتج عن ذبابة آكلة للحوم، أثار موجة من القلق بين الخبراء والجمهور، خاصة مع تقارير عن تفشيه في دول أمريكا الوسطى. الحالة، التي رُصدت في ولاية ماريلاند، تسلط الضوء على مخاطر هذا الطفيلي القاتل، سواء على البشر أو الحيوانات، مع تداعيات اقتصادية محتملة وخيمة.
في هذا التقرير، نستعرض تفاصيل هذا التهديد الصحي، مصادره، أعراضه، وسبل الوقاية منه.
أول إصابة بشرية : مصدر العدوى وتفاصيلها
كشفت وزارة الصحة والخدمات الإنسانية الأمريكية، بالتعاون مع مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها (CDC)، عن تأكيد أول إصابة بشرية بداء الدودة الحلزونية في 4 أغسطس 2025.
المريض، الذي عاد مؤخرًا من السلفادور، أُصيب بهذا الطفيلي الذي ينتقل عبر السفر من مناطق موبوءة.
و مع ذلك، أثارت تقارير متضاربة حول مصدر الإصابة، حيث أشارت مصادر في صناعة اللحوم إلى أن المريض ربما سافر من غواتيمالا، جدلًا حول دقة المعلومات.
على الرغم من هذا التناقض، أكدت السلطات أن الخطر على الصحة العامة في الولايات المتحدة يبقى منخفضًا، مع عدم رصد أي إصابات بين الحيوانات داخل البلاد حتى الآن.
الدودة الحلزونية : طفيلي مدمر
داء الدودة الحلزونية، الناتج عن ذبابة Cochliomyia hominivorax، هو عدوى طفيلية خطيرة تستهدف الكائنات ذات الدم الحار، بما في ذلك البشر والحيوانات.
تضع إناث الذبابة بيضها في الجروح المفتوحة، وبعد الفقس، تبدأ اليرقات في اختراق اللحم الحي، مما يسبب أضرارًا جسيمة. سمي الطفيلي “الحلزوني” لأن اليرقات تحفر في الأنسجة بطريقة تشبه حركة المسمار.
هذا المرض، وإن كان نادرًا بين البشر، يُعد قاتلًا للماشية والحياة البرية إذا لم يُعالج، مما يجعله تهديدًا مزدوجًا للصحة العامة و الاقتصاد.
تفشي الطفيلي : تهديد يتحرك شمالًا
بدأت المخاوف من داء الدودة الحلزونية تتصاعد مع تقارير عن تفشيه في دول أمريكا الوسطى، مثل السلفادور وغواتيمالا، وكذلك في المكسيك، حيث سُجلت أول إصابة بشرية في ولاية تشياباس لامرأة تبلغ 77 عامًا.
كما أعلنت كوستاريكا حالة تأهب صحي بعد تسجيل وفيات مرتبطة بالطفيلي. رصدت المكسيك إصابات جديدة على بعد 600 كيلومتر من الحدود الأمريكية، مما دفع الولايات المتحدة إلى إغلاق معابرها الجنوبية أمام تجارة الماشية كإجراء وقائي.
هذا التحرك شمالًا يثير قلقًا من احتمال تفشي الطفيلي داخل الأراضي الأمريكية، خاصة في ولايات مثل تكساس.
التداعيات الاقتصادية : خسائر محتملة بمليارات الدولارات
يُعتبر داء الدودة الحلزونية تهديدًا كبيرًا لصناعة الماشية، التي تُعد ركيزة اقتصادية في الولايات المتحدة.
تقدّر وزارة الزراعة الأمريكية أن تفشي المرض في ولاية تكساس وحدها قد يكلف الاقتصاد حوالي 1.8 مليار دولار نتيجة نفوق الماشية، تكاليف العلاج، ونفقات العمالة.
هذه الخسائر المحتملة أثارت قلق مربي الماشية وتجار اللحوم، خاصة مع ارتفاع أسعار لحوم البقر إلى مستويات قياسية بسبب تراجع أعداد الماشية إلى أدنى مستوى منذ 70 عامًا.
الخوف من فرض قيود إضافية على التجارة مع المكسيك يزيد من حدة التوتر في القطاع.
أعراض الإصابة : علامات خطيرة تتطلب التدخل السريع
تظهر الإصابة بداء الدودة الحلزونية بأعراض مقلقة تتطلب عناية فورية. عند البشر، تشمل علامات العدوى جروحًا ملتهبة ترفض الالتئام، إفرازات كريهة الرائحة، وألم حاد مصحوب بإحساس بحركة اليرقات داخل الجرح.
في الحالات المتقدمة، قد تظهر الحمى والضعف العام وفقدان الوزن.
أما بالنسبة للحيوانات، فتُعد الإصابة أكثر شيوعًا، حيث تظهر جروح مفتوحة مملوءة باليرقات، سلوك غير طبيعي، وانخفاض سريع في الوزن والإنتاجية. إذا تُركت دون علاج، تؤدي العدوى إلى الوفاة خلال أسابيع.
العلاج : عملية معقدة لكن فعالة
يتطلب علاج داء الدودة الحلزونية تدخلًا دقيقًا وسريعًا. يتم إزالة اليرقات يدويًا من خلال تنظيف الجرح جراحيًا، مع استخدام مطهرات قوية مثل اليود لتعقيم المنطقة المصابة.
في بعض الحالات، تُستخدم أدوية مضادة للطفيليات لقتل اليرقات، بينما تُوصف المضادات الحيوية للوقاية من العدوى البكتيرية الثانوية.
الخبراء يؤكدون أن العلاج المبكر يزيد بشكل كبير من فرص الشفاء، سواء للبشر أو الحيوانات، مما يجعل الكشف المبكر أمرًا حاسمًا.
إجراءات حكومية لمواجهة التهديد
استجابة لهذا التهديد، اتخذت الولايات المتحدة خطوات استباقية. أعلنت وزيرة الزراعة الأمريكية، بروك رولينز، عن خطة لإنشاء منشأة جديدة في تكساس لإنتاج ذباب عقيم، وهي استراتيجية أثبتت فعاليتها في ستينيات القرن الماضي للقضاء على الطفيلي في الولايات المتحدة.
هذه الطريقة تعتمد على إطلاق ذكور ذباب عقيمة تتزاوج مع الإناث دون إنتاج نسل، مما يحد من انتشار الطفيلي.
كما أغلقت الولايات المتحدة معابرها الجنوبية أمام تجارة الماشية لمنع دخول الحيوانات المصابة.
الوقاية : درع الحماية الأول
للحد من انتشار داء الدودة الحلزونية، يوصي الخبراء باتباع تدابير وقائية صارمة. تشمل هذه التدابير فحص الماشية بانتظام في المناطق الحدودية، والتعامل السريع مع الجروح من خلال تنظيفها وتعقيمها فورًا لمنع وضع البيض.
كما يُنصح بتكثيف برامج الرقابة البيطرية و توعية المجتمعات الريفية بأهمية الإبلاغ عن الإصابات المشتبه بها.
على المستوى الفردي، يُفضل تجنب السفر إلى المناطق الموبوءة دون اتخاذ احتياطات مثل تغطية الجروح وحمايتها من الذباب.
تحديات الشفافية و التواصل
أثارت الحالة نقاشًا حول شفافية السلطات الصحية. أعرب أطباء بيطريون في ولايات مثل ساوث داكوتا عن استيائهم من تأخر إبلاغهم بالإصابة، حيث علموا بها عبر مصادر غير رسمية قبل إشعار مراكز السيطرة على الأمراض.
هذا الجدل يعكس الحاجة إلى تحسين التواصل بين الجهات الحكومية والمجتمعات المهنية لضمان استجابة سريعة و منسقة.
مستقبل التصدي للطفيلي
مع استمرار تفشي الدودة الحلزونية في أمريكا الوسطى وظهور حالات بشرية نادرة، يبقى السؤال : هل تستطيع الولايات المتحدة احتواء هذا التهديد قبل أن يتحول إلى أزمة أكبر ؟ الجهود الحكومية الحالية، بما في ذلك برامج الذباب العقيم و إجراءات الحدود، تبدو واعدة، لكن نجاحها يعتمد على التعاون الدولي و اليقظة المستمرة.
يُطالب الخبراء بتكثيف الحملات التوعوية وتعزيز المراقبة لمنع الطفيلي من الاستقرار في الأراضي الأمريكية مرة أخرى.